الشباب والسياسة..نعم ولكن
رشيد العزوزي
رغم الوعي السياسي الذي أبانه الشباب المغاربة في أكثر من مناسبة، ظلت علاقتهم بالأحزاب متوترة، شبه مغيبة، مقتصرة على تأثيث المشهد ضمن التنظيمات الموازية، دون أي تمثيلية حقيقية أو دور فعال.
الشباب المغربي في قلب السياسة
ساهم الشباب المغربي في تحقيق استقلال المغرب عام 1956م، عبر المقاومة المسلحة والنضال السياسي، كما سرع من وتيرة بناء الدولة المغربية الحديثة عبر الحركة التلاميذية والطلابية، خصوصًا مع التنظيمات اليسارية التي اعتبرت الشباب طليعة للتغيير، وهو الحماس نفسه الذي راهن به الإسلام السياسي مؤخرًا على الشباب في الحشد والتنظيم و التأطير.
حدث ذلك رغم أن “تعاطي” الشباب للسياسة في الرباط يثير الخوف والقلق والتوجس في نفوس الأسر المغربية، إذ ارتبط هذا السلوك بالمعارضة والسجن والتعذيب، لأن عددًا من الشباب في سنوات السبعينيات والثمانينيات بالخصوص دفع ثمن تسييسه غاليًا، وهو ما يعرف بسنوات الرصاص.
سنوات حرجة عملت الدولة والمجتمع على تجاوزها خلال تسعينيات القرن الماضي، لتتوج بانفراج سياسي مع حكومة التناوب التوافقي بين المرحوم الحسن الثاني والزعيم الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية -أقوى أحزاب المعارضة آنذاك- الذي عين كوزير أول (1998-2002).
نجم عن هذه الخطوة هامش ديمقراطي كبير استثمر جيدًا مع العهد الجديد، عهد حكم الملك الشاب محمد السادس، الذي اعترف مبكرًا بأخطاء الدولة المغربية، عبر إقالته لوزير الداخلية إدريس البصري، من خلال “هيئة الإنصاف والمصالحة”، فلم يعد عالم السياسة من أضلاع الثالوث المحرم، بل تمت دعوة الشباب لاقتحام المؤسسات الدستورية المنتخبة قبل وبعد ما عرف بربيع الشباب الديمقراطي عام 2011.
العام الذي وقف الجميع فيه مشدوهًا أمام مفارقة صادمة في النسق السياسي المغربي الراهن؛ فالشباب الذي يشكل 65% من مجموع السكان أبان فهمًا سياسيًا وحقوقيًا تجاوز به بعض المؤسسات السياسية التي استغلته لعقود، وفاق بنقاشاته العميقة والمستفيضة في وسائل التواصل الاجتماعي نخبًا سياسية.
كما فاق باهتماماته الوطنية نخبًا فكرية ظلت قابعة في برجها العاجي، دون أن تقتحم الأحزاب وتناقش قضايا المعاش اليومي، وتشد بيد الشباب للمساهمة في التغيير المنشود من الداخل، عوض النقد من الخارج، ليضيع الأطراف بهذا السلوك فرصًا هائلة في تسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي، وضخ دماء جديدة، وتزويد الأحزاب بطاقات شابة أكثر معرفة بمتطلبات العصر في السياسة كما في الاقتصاد والمجتمع، بعيدًا عن أشكال التشنج والتوتر.
أسباب توتر العلاقة بين الشباب والأحزاب
يكاد يكون عزوف الشباب عن الأحزاب واتخاذ موقف سلبي منها أبرز السمات المميزة للمشهد الحزبي الذي لم ينفتح على الشباب ولا طور طرق الاستقطاب، رغم ما تتيحه الديمقراطية الافتراضية من إمكانات واسعة لمخاطبة هذا الجيل بلغته وعبر وسائط تكنولوجية تختصر الجهد والوقت وتقلص المسافة.
هذا الوضع تعكسه وتؤكده جل الإحصائيات والدراسات الرسمية مثل تلك التي أجرتها المندوبية السامية للتخطيط، إذ وجدت أن 1% فقط من الشباب المغربي هو من يشتغل من داخل إطارات حزبية.
كما تؤكده الدراسات غير الرسمية كالمنشورة من طرف مركز الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية تحت عنوان “التسويق السياسي والواقع الانتخابي”، التي كان من نتائجها أن 96% ممن شملهم الاستطلاع أكدوا عدم انتمائهم السياسي، وأن 98% منهم غير منتسبين إلى أية نقابة عمالية.
هذه النسبة المخيفة سرعان ما تصبح عادية جدًا، بالرجوع قليلًا إلى التاريخ، حيث كاد يجرم الحديث في السياسة كما ذكرنا، الزمن الذي أممت فيه الدولة النقاش ضدًا في قوى يسارية، رغم تبنيها -أي الدولة- منذ فجر الاستقلال تعددية حزبية، لم تتطور إلى تعددية سياسية كما حدث في دول مشابهة في شرق أوروبا وآسيا أو أمريكا اللاتينية، وإن كانت التجربة المغربية أكثر جدية من تجارب دول عربية عدة هيمن فيها الحزب الوحيد لعقود، وما زالت تدفع حتى اليوم ثمن ذلك.
ومن خلال اقتحام النسق الحزبي، والوقوف على حقيقة بنائه الهرمي المحكم، نجد المحسوبية والزبونية، إضافة إلى رابطة الدم والولاء للمال والأعمال، بعيدًا عن القوانين الداخلية والبرامج الانتخابية، وثقافة الإخلاص للوطن وخدمة المواطن أولًا وأخيرًا. ناهيك عن احتكارات الزعامات الخالدة الإقطاعية، التي تقطع بهكذا سياسة الطريق أمام إمكانية وصول الشباب إلى مراكز قيادية داخل تلك الأحزاب.
وفي هذا السياق، قال عبد المجيد المعروفي، أحد شباب حزب الديمقراطيين الجدد، في اتصال مع “الدائرة” إن “المشهد السياسي المغربي بات حقلًا للمتناقضات والتسيب والركود، بسبب استمرار وجوه سئم المواطن منها، ما زالت تعمل جاهدة على إعادة إنتاج نفسها أو إنتاج مقربين منها”، وهو ما اعتبره المعروفي “توريثًا صريحًا لأحزاب بعينها”، ومثل لذلك بـ”ارتباط أحزاب بعائلات فاسية، وأخرى بعائلات كبيرة في الأطلس المتوسط”.
وأضاف المتحدث: “بعض هذه الوجوه الكلاسيكية المنتمية للماضي اقتحمت السياسة بشرعية تاريخية، وحاول بعضها البحث عن شرعية الإنجاز اليوم بعد تآكل رصيدها التاريخي، لكنها فشلت في ذلك فشلًا ذريعًا، وشاخت في السن وفي السياسة، وبالتالي عليها أن تتواضع وتستثمر بحكم تجربتها في الشباب عبر التكوين والتكوين المستمر، لبناء الثقة ورد الاعتبار، وتتنحى بعدها، فاسحة المجال في وجه هذا الجيل الأكثر دراية باحتياجاته وتحديات عصره، لولوج المؤسسات الحزبية بنسب مهمة، من خلالها يمكن فرز طاقات قادرة على التسيير والتدبير”.
قاد سوء تدبير “الشيوخ” حتى الآن إلى انتشار البطالة في أوساط الشباب، ما جعل شغلهم الشاغل الحصول على مورد رزق قار، وهذا ما يفسر انخراط نسب مهمة منهم في حركات احتجاجية ذات طابع اجتماعي -ليس سياسيًا- تطالب بالتشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية، قبل مطلب فصل السلطات والدمقرطة الحقة في انتظار تدابير عاجلة.
تدابير عاجلة
لقد بات من الضروري اليوم على السلطات العمومية إعادة النظر في قضايا الشباب على جميع الأصعدة، لتوسيع وتعميم مشاركتهم في التنمية السياسية على الخصوص، كمظهر من مظاهر الديمقراطية التشاركية التي تراهن عليها كل الدول النامية لتحقيق الإقلاع المنشود، وتحقيق الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، عبر تيسير ولوج فئة مهمة وحيوية للثقافة والرياضة والعلم والترفيه، كما تحث على ذلك المواثيق الأممية التي صادق عليها المغرب.
عرفت الأمم المتحدة الشباب بـ”الفئة العمرية الممتدة أعمارهم من 15 إلى 25 عامًا، مع الإشارة إلى أن هذا التحديد لا يعتبر مساسًا بالتعاريف الأخرى المعتمدة من قبل الدول الأعضاء في هذه الهيئة الأممية”؛ فالمغرب مثلًا يمتد فيه عمر الشباب سياسيًا حتى 40 عامًا عند أغلب الأحزاب دون تحقيق الغاية المرجوة.
في حين، تحققت إنجازات كبرى مع شباب مغربي يتحمل مسؤوليات سياسية كبرى في دول أوروبية أصبحت لها تقاليد ديمقراطية عريقة، عرفت بها كيف تخاطب أدمغة سياسية شابة لم تجد ذاتها في وطنها الأم، الذي لم يعد له خيار غير الأخذ بيد شبابه.
ويكون ذلك بتدابير أكثر من تخفيض سن الرشد السياسي من 21 إلى 18 عامًا، أو الرهان عليها ككتلة انتخابية، وإنما جعله قوة اقتراحية كما كان منذ حوالي عقدين، عندما كان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وباقي الحركات الشبابية الجامعية والجمعوية خزانًا لتزويد الأحزاب بطاقات.
المجلس الاستشاري
من هنا، لابد من تفعيل دور المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، باعتباره إطارًا قانونيًا متكاملًا لتقديم الاستشارة، قصد بلورة السياسات العمومية المتعلقة بقضايا الشباب والعمل الجمعوي، تفعيلًا لمقتضيات الفصول 33 و170 و171 من الدستور المغربي.
فالمجلس -كما هو معلوم- مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم ميادين شبابية، يقدم اقتراحات حول مواضيع الاقتصاد والمجتمع والثقافة، وتوكل إليه مهمة النهوض بعمل المجتمع المدني، وأوضاع الشباب، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية.
وتماشيًا مع الخطب الملكية التي ما فتئت توصي بالشباب خيرًا، يقول الملك محمد السادس في أحدها: “الواقع أن الأحزاب تقوم بمجهودات من أجل النهوض بدورها، إلا أنه يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها وتواصلها”.
لأن التواصل السياسي حاليًا لزعامات حزبية تبنت خطابات شعبوية متشابهة أيديولوجيًا، لا تختلف كثيرًا على مستوى المرجعيات والبرامج، مشكلة أخرى ضيعت فرصًا سانحة لو ارتقت لفكر الشباب على الأقل في استكمال الحركية التي أحدثوها في الشارع من داخل المؤسسات.
عقم التواصل وعدم الوفاء بالبرامج الانتخابية جعلا العمراوي محمد، الطالب في جامعة ابن طفيل، يقول في اتصال مع” الدائرة” إنه “لا يثق بأي حزب من بين الأحزاب الصغيرة أو الكبيرة، يمينها ويسارها أو وسطها”، ليستدرك قائلًا: “هناك أمل أخير تمثله فيدرالية اليسار؛ خطابها صريح ومبني”، مبديًا إعجابه “بخرجات نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، التي سألتحق بحزبها في حالة ما حسمت أمري أو كان من الضروري أن أتحزب”، يقول هذا الشاب.
التعليقات مغلقة.