الدائرة – ذ.لحسن امدين
تواجه العديد من الجماعات الترابية في مناطق مختلفة في ربوع المملكة تحديات جمة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة والتقدم الإجتماعي. من بين هذه التحديات، يبرز دور الأعيان والمتطفلين كعوامل رئيسية تعيق النمو والتطور في هذه المناطق و بالتالي فإن الحديث عن تقوية دور الجماعات الترابية في الوقت الراهن يشبه محاولة بناء بيت على أرض مليئة بالوحل.
فالواقع المرير الذي تعيشه العديد من الجماعات اليوم، يكشف عن وجود متطفلين على الشأن الداخلي لهذه الجماعات، متطفلون يجمعون بين المال والجاه، يتخفون تحت عباءة ما يسمى ب “الأعيان”، ليساهموا في زعزعة استقرار العملية السياسية داخل هذه المجالس. ومن ثم، فإنهم يعملون على إفساد بيئة العمل التنموي من خلال تقويض الثقة في المؤسسات العامة وتعطيل سير المشاريع الحيوية و النتيجة المباشرة لهذا الوضع هي تدمير الزمن التنموي، حيث يتم إهدار الوقت والموارد في صراعات لا طائل منها بدلا من الإستثمار في مشاريع بناءة. هذا التدمير يؤثر سلبا على جودة الحياة في الجماعات الترابية ويمنع تحقيق الأهداف التنموية المنشودة.
نعم، لا أحد ينكر أن للأعيان دورا مهما في المجتمعات، وأن هناك علاقة جدلية تنظم تفاعلهم مع الهيئات المنتخبة. ولكن، عندما يصبح هؤلاء الأعيان هم الرؤساء الفعليون للمجالس، وعندما يتحول دور المنتخبين إلى مجرد ديكور أمام هؤلاء المتسلطين، يصبح من حقنا أن نسأل: إلى أين نحن ذاهبون؟
لماذا يتهافت الأعيان في مدن وقرى معينة للسيطرة على المجالس الجماعية؟ هل أصبح الهدف من المشاركة في الإنتخابات هو حماية المصالح الشخصية فقط؟ أم أن هناك مصالح أكبر تتجاوز حدود الأعيان والمنتخبين؟ وهل يمكن للإعلام أن يجرؤ على تسليط الضوء على هذه التجاوزات؟
و من يملك ذرة من العقل في هذا البلد الحبيب، يكتشف و يفهم أن الأمر أشبه بمسرحية هزلية، حيث يقف الأعيان في الخلف كمدبرين حقيقيين، بينما يظهر المنتخبون على المسرح كممثلين يؤدون أدوارا لا تعبر عن حقيقتهم. وهنا تبرز إشكالية النخب الضعيفة والإنتهازية، التي تحولت إلى أدوات لخدمة مصالح الأعيان، متناسية دورها الحقيقي في خدمة المواطنين وتنمية الجماعات.
لقد حان الوقت لنقول كفى لهذه الفوضى. كفى لإهدار الزمن التنموي بسبب هذه التجاوزات. كفى لاستمرار هذا السيناريو العبثي الذي يجعل من الجماعات الترابية أدواتا في أيدي قلة من المتسلطين. الزمن الآن يتطلب شجاعة وجرأة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، والابتعاد عن كل من يسعى لاستغلال النفوذ لخدمة مصالحه الشخصية على حساب الصالح العام.
نعم، يجب تقوية دور الجماعات الترابية حتى تؤدي دورها الذي أحدثت من أجله، ولكن هذه القوة لن تتحقق إلا بإبعاد المتطفلين، وتنظيف الساحة من هؤلاء الأعيان الذين يعيثون في الأرض فسادا. و لتحقيق هذه الغاية، يجب على الجهات المعنية اتخاذ خطوات حاسمة لتحسين الشفافية وتفعيل الرقابة على الأنشطة التنموية، كما يجب تعزيز دور المجتمع المدني في متابعة الأداء العام ومساءلة الأعيان والمتطفلين، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات تنموية تركز على المصلحة العامة وتقلل من تأثير المصالح الشخصية الضيقة.
في النهاية، إن إدراك تأثير الأعيان والمتطفلين على الزمن التنموي هو خطوة أساسية نحو إصلاح الأوضاع وتعزيز التنمية المستدامة في الجماعات الترابية. من خلال العمل الجماعي والإصلاحات اللازمة، يمكننا المساهمة في بناء مستقبل أفضل يساهم في تحقيق التقدم والازدهار لجميع أفراد المجتمع، والآن، قبل أن نستفيق على واقع أسوأ، علينا أن نبدأ بالتحرك، ليس فقط بالكلمات، بل بالأفعال.