هشام محب: رسالة في اللافهم البشري
إلى جون التعيس


عزيزي جون؛
ماذا لو كان خط اللاعبور هذا أضيق من احتمالاتنا؟ لو كانت الظلال حتف الحقيقة الوحيد وليست شبهة عقلية كما جرت عليها الخرافة؟ ماذا لو كان الأمر كذلك؟
لربما كانت (آية الكون) حينها منسوخة على قناديل!
ولكون الحقيقة كذلك إننا لا نبرح كهف التعاسة بل نحبه، ونقتنص أشكال الرماد خطوطا وألوانا لهذه الذاكرة، ولهذا الأفق… ونرشق بالجهل من يسكن الظلام والنور، أقول؛ كهف المعجزات وكهف التعقل..
إن المفارقة أن نقطع حبل الولادة مع الغيب، أن نقتل الإله وهرامسه وأراجيزه ومواسمه ومهرجيه، وأن نعزب عن ثنائية اللغة/النص والعقل، ومنه أن نرفض النظر إلى ما فوقهما، أقصد؛ إلى العمران، أي إلى ما اقتنصه البشري حين رمى نرد التطور بعيدا دون هدف […]
لا يهمني أكان العقل بنى الألوهة أم الألوهة بنت العقل، سيان في هذا المرض الوجودي، كونهما يعتليان سلطة الحقيقة، ويفشيان حميمية الكون… وغير أنهما يهتكان عرض اللغة، يجعلون من الكلمات أشياء ومن الأشياء كلمات، بذلك التوحد الموغل في المرض.
لقد كان العقل لعنتنا الوحيدة وليس الله، وعلاوة أننا قتلنا الثاني فإن صراع الأول وضده لا زال يمزق في سرائرنا جدوى الإنتصار […] إنها كاووس التواجد في هذا العالم المليء بالبطولة والبؤس، والمليء بالسينوغرافيا وتداخل الأدوار. أما الضحية اليتيمة في هذه الساحة هي (الجسد).
إن السعي إلى اقتناص الكون وأشياءه في أشكال القلق المجرد، لهو الترنيمة الوحيدة التي ما برحت أحيى طقوسها عن جرح وغبطة. هو النص الأوحد الذي أتلوه غفوة وصحوا، إلى حد الإجترار البهيمي، نسميه (نحن التعساء) مبدأ القداسة حين يذكرنا بآلاء الأحادية والهلامية الأولى. لكنني أسميه الآن حتمية الكائن اللغوي… هكذا يحلو لي وصفه ورصفه في هذا الفضاء الرمادي اللامتناهي.

هشام محب