قد لا تعرف إلى أي هاوية يقودك النور ، و قد لا تعرف إلى أي نور تقودك الهاوية…
هكذا هو الحب، أو هكذا هي الموت.. تشبهنا كثيراً
و حده الضياع يكشف عن ملامحه.. لأنه يحمل كل الملامح…
هل تعلمون شيئاً في ما يسمى (الحب)… كم نحن أدعياء و تعيسون جداً. لكن ليس هذا هو جوهر المشكلة، فنحن أقل حظاً مما نتصور… من منا قادر أن يجرد عالمه حتى من دبيب الأشياء الصغيرة ؟ قطعاً لا أحد . قد لا نتصور عالماً منعزلا أحادياً متماهيا مع ذاته، لذا كان لا بد أن نشارك ذواتنا (قسراً) أم طواعية، نحن عاجزون عن السير فرادى خصوصاً حين يتعلق الأمر بمسألة المصير، فما يجرنا للآخرين هو هذا الطابع (التراجيدي)للوجود هذا الضياع و اليأس و اللاجدوى، لكن سرعان ما يختفي هذا الهاجس، و يطفو السعي في الإستمرار بالمعنى الأنطلوجي الهايدغري يسقطنا في شباك (الأنا)، فيصبح من ظننت أنه يحايتني جزءاً من استملاكي و نفيي على غرار ذاته … كيف أكون لي إذن و أكون له في لحظة تشبتي بي و رغبتي في أن أكون أنا و أن أستمر و لو على حسابه… إننا عاجزون عن الإعتراف كوننا أنانيين و سعينا الدائم للإستمرارية قائم… لنقل إذن أن حديثنا عن الإيتيقا و القيمة الأخلاقية (الحب) و (الصداقة) و العيش و التفاني من أجل الآخر بل و حمل تجربته بالمشاركة الوجدانية لا يتجاوز حدود الرغبة… أن أهدي وردة لسيدة تبكي مثلاً أو أعزف على اسمها قطعة موسيقية، أو أن نحمل بعضنا لشاطئ و نقول (أحبك)، مدعاة للتساؤل عن البواعث […] هل يمكن أن أتنازل عن أناي ليحل بها غيري و إن باسم الحب و العلاقة ؟ لنعترف أننا لسنا (غيريين) لهذه الدرجة، بل حتى فيما بخص علاقة الجسد بالجسد الآخر نحن ندعي النزعة العاطفية، لكن ما نسلكه في الواقع لا يعد إلا أن يكون (إيروتيكي) هي لذة لذاتها عائدة علىها وليدة لها، إن اشتهائي لجسد الآخر (الأنثى) ما هو إلا اشتهاء للذة ما موجودة بجسدي، والعلاقة الجسدية ما هي إلا انبثاق لتلك اللذة الخاصة بي و كأنني أشتهي جسدي، فما نظري إلى الجسد الآخر و لو حمّلته من المعانى الإستطيقية ما حملته إلا لكي أذيبه في شبقي… لا بد و أن تجلي الآخرهو ما (أُقَوْلِبَهُ) و ما سعيي لأن أحبه إلا سعي لأقحمه عالمي و أمحو كل ما يحد فرادته هو سعي لكي (أقتله) و أحيى فيه… ” إن مأساتي لا تتجلى في وقوفي أمام الآخر، بل تحديقي في عينيه و هو يقول “أحبك”…
…
لكن حين تسكن الروح دهاليز “الوحدة”، هل تستشعر هكذا سعادة؟ صحيح أن الخلو للذات و التوحد بها يخفي نوعاً من (الصفو)، لكن أليس تقفي هذا الصفو من يعتق فينا الحضور التراجيدي و يجعلنا كلما نظرنا إلى وردة انكسرنا ؟ صحيح، قد لا ينازع المنفي في ذاتهِ ذاتهُ حيال العالم، لكنه بهذا المعنى أيضاً لن يجد معنى لها، و سيظل المنفى/الإكتفاء بالذات هنا حلقة الوصل الفارغة بين عالم الإنسان/ذاته و بين سعادته، و هنا سيظل “وحيداً” أو بلغة أدق فارغاً من ذاته أو شبه ميت…صحيح أن دروة الوهم أن نصدق تلك المدعوة سعادة، لكن حتى الشقاء أو طعم الحب أو حتى الكره لا يكون إلا بمزيج من هذا العالم، بل حتى في سعينا لرفض الآخر و طرحه نكون في سعي جامح إلبه، كما لو أننا نقول: “ليس هكذا، امسك يدي جيداً !…”
نحن بحاجة إلى “الآخر” كما بحاجة إلى الماء و الحزن و النوم و الدموع و يحاجة إلى الموت و الطعام و الموسيقى وكما بحاجة تماماً إلى ذواتنا…
هشام محب