الدائرة – ذ.لحسن امدين
اقتربت الشمس من المغيب يوم الأحد الماضي حين تعالت أصوات موسيقى صاخبة غير بعيد. فاجأني الأمر و استفسرت عن مصدرها فأخبرت بأن الأمر يتعلق بمهرجان ينظم كل سنة بذات المكان.
جميل جدا أن نحتفل و نفرح، أن نحتفي و نكرم و هو أمر محمود، لكن الأسئلة المطروحة كثيرة و منها: بماذا نحتفل و لماذا نفرح؟ بمن نحتفي و من نكرم؟ هل حققنا كل الضروريات للساكنة تخولها العيش الكريم و تحفظ كرامتها؟ هل قضينا على كل المشاكل التي تتخبط فيها المنطقة؟.
و أنا أطرح هذه الأسئلة مع قرارة نفسي سمعت شيخا طاعنا في السن يقول: ” اش خاصك ا العريان، الخاتم ا مولاي”. اقتربت منه و إذا بمحياه يعلوه الغضب رغم أنه يحاول أن يسيطر على نفسه، و قلت له: ” ما بك يا عمي و لماذا قلت الذي قلته و على من قلته؟”. تردد في الإجابة لكنه أسر بما كثمه لما اطمأن لي و قال:” يا بني كما ترى فالموسيقى تعلو المكان و كل بوادر الإحتفال تندر بأننا بخير رغم أننا لسنا كذلك، أنظر إلى البنية التحتية كم هي متردية، و الطرقات كلها حفر، و الأزقة مليئة بالأتربة، و الزوايا غاصة بالأزبال، و المرضى لا تجد أين تعالج… مللنا من هذه الحالة منذ زمن و لا شيء تغير.” تغير لون وجهه و بدا عليه التعب و طلبت منه أن يهدئ من روعه. انصرفت و تركت الرجل المسن لما اطمأننت أنه بخير، لكن وجدت أن في كلامه الكثير من الحقيقة. عدت ادراجي و صخب المهرجان لازال يعلو المكان و حاولت أن أقنع نفسي أنها الموسيقى و هي دواء للنفوس و فن و ثرات و ترويح عن النفس… لكن أعدت التفكير و قمت بالتركيز رغم الضجيج، وصادف الوقت موعد رفع أذان العشاء، فوجدت أن الأمر ليس كذلك و لا فائدة من موسيقى لم تحترم الأذان حين يرفع، و لم تترك المصلي و الإمام حتى يخشع, ما ذنب الأطفال الصغار، و الشيوخ الكبار، و الذين يعانون من الأسقام، و ذوات الأحمال، و العاملون طوال النهار؟ ما ذنب هؤلاء جميعهم حتى يستحملوا كل هذا الضجيج و في هذا الوقت المتأخر جدا من الليل؟ أمام كل هذه التساؤلات وجدت نفسي في مكاني المخصص للنوم، حاولت أن أفعل لكنني اكتشفت أنني أيضا ضحية هذا المهرجان و اضطررت أن أسهر حتى الدقيقة 40 بعد منتصف الليل. لما فتحت عيناي صبيحة الإثنين وجدت أن الأزبال تعم الأركان و الأتربة تملأ الأزقة و الحفر … بإختصار، وجدت سيدي الطيبي كما وصفه الشيخ العجوز، سيدي الطيبي قبل المهرجان.