المسؤولون يفقدون البوصلة بين المهرجانات و التنمية
الدائرة – ذ.لحسن امدين
أينما وليت اليوم وجهك في هذا البلد الحبيب، في المدن، في الشواطىء، في المداشر و في القرى، ستجد أن الكل متنافس في الرقص و الغناء. في خضم هذا الضجيج الذي نعيشه مرغمين، يبدو أن مفهوم التنمية قد تحول من عملية شاقة تتطلب تخطيطا ومثابرة و جهد و عمل و كد إلى حفلة متنقلة تسير على أكتاف من اخترناهم بالأمس منتخبين ليمثلوننا. اليوم، تجدهم يتسابقون، ليس لتحقيق إنجازات حقيقية و تنمية مستدامة، بل للتباهي بعدد الحضور في مهرجان هنا أو هناك، وكأن عدد الحضور هو المقياس الجديد للنجاح.
لكن لنكن واقعيين، هل بناء قدرات التعليم والصحة يحتاج إلى “جيمات” وتعليقات مشجعة على الفيسبوك؟ هل تحسين البنية التحتية وجلب الاستثمارات تتطلب صورا وفيديوهات على الإنستغرام و الواتساب؟ يبدو أن بعض المنتخبين، إن لم نقل أغلبهم، يعيشون في عالم افتراضي، حيث التحفيز والتشجيع يأتيان عبر الشاشات و من ورائها، بينما تبقى التحديات الحقيقية في الواقع منسية أو متجاهلة تماما.
في هذا العالم، كل ما يتطلبه الأمر هو تنظيم حدث بسيط أو تافه في أغلب الأحيان، في ساحة عمومية، دعوة فرقة “للضجيج”، وسترى الحشود تتوافد، ثم تأتي الكاميرات، المأجورة غالبا، لتلتقط المشاهد، وتبدأ المنشورات تتوالى على مواقع التواصل الاجتماعي: “نجاح منقطع النظير”، “حضور قياسي”، “مجهود جبار”، ولكن، هل هذا هو النجاح الحقيقي الذي ننشده و نتطلع إليه فعلا، وهل هذا ما يخصنا كمواطنين؟
النجاح الحقيقي يا أولي الألباب يقاس بمدى قدرة هؤلاء المنتخبين على حل مشاكل الساكنة، بتوفير التعليم الجيد، بالرعاية الصحية المتاحة للجميع، بتحقيق التنمية الإقتصادية التي تفتح فرص عمل جديدة وتخلق بيئة استثمارية جاذبة و تنقد الشباب من براتين البطالة.
النجاح يقاس بما ينجز على أرض الواقع وليس بما يعرض و ينشر على المواقع. هل رأيتم يوما منتخبا يسارع إلى تقديم مقترحات قوانين تخدم مصلحة المواطن بنفس الحماس الذي يظهره عند تنظيم مهرجان؟ هل رأيتموه يترافع لدى الوزارات لحل مشاكل منطقته بنفس الجهد الذي يبذله في التقاط الصور التذكارية مع أشباه الفنانين و التافهين؟ يبدو أن الأولويات قد اختلطت و اختلت الموازين، وأصبح العمل الجاد مطلبا ثانويا دون جدوى.
ما يثير السخرية هو أن هؤلاء المنتخبين يعتقدون أن الحضور الجماهيري الكبير هو شهادة نجاح، متناسين أن أي شخص يمكنه تنظيم حدث بسيط يجمع الناس في ساحة، ولكن الفرق يكمن في ماذا تحقق بعد انفضاض الحشود؟ أين هي النتائج التي يمكن للمواطن أن يلمسها في حياته اليومية و تأثر إيجابا على حياته اليومية؟ المهرجانات أيها المنتخبون، ليست غاية في حد ذاتها بل هي مجرد وسيلة، أو ربما تتويج لجهودكم خلال عام كامل من الإنجازات و حينها لابأس من الإحتفال، ولكن عندما يتحول إلى محور اهتمامكم الأساسي، وتصبح الغاية بدل الوسيلة، فإنكم بذلك تفقدون البوصلة للأسف.
التنمية الحقيقية تتطلب استثمارا في البشر و حتى في الحجر، في العقول والبنية التحتية، وليس في الأضواء والكاميرات يا من وثق بكم المواطن يوم أعطى صوته و شهادته لكم فاتقوا الله و اعلموا أن كل من عليها فان.
التعليقات مغلقة.