التغيرات المناخية و قضية الماء بالمغرب
إذا سألت أي مواطن مغربي سواء أكان فلاح أو متتبع عن رأيه في الطقس خلال السنوات الأخيرة، سيجيبك بأن الأحوال تغيرت بشكل كبير وهذا ينعت علميا بالتغير المناخي. والذي من مظاهره قلة التساقطات المطرية وعدم انتظامها في الزمان والمكان و تداخل الفصول و تفاوتها عن شهورها و فتراتها الأصلية ،وحتى الحرارة السنوية تخلخلت بحيث أصبحنا نشهد دفئا في دجنبر و برودة في مارس وأبريل بل وحتى ماي في بعض السنوات . هذه الوضعية الجديدة أثرت سلبا عن الأنشطة الزراعية خاصة البورية منها متأثرة بظواهر متطرفة فبالإضافة إلى الجفاف نجد العواصف الخريفية والربيعية التي تأتي على ما جادت به الحقول والمزارع .و سنحاول في هذا المقال وضع كرونولوجيا للتغير المناخي بالمغرب و الوقوف على أهم الظواهر الجوية التي عرفها خلال السنوات الأخيرة ولنستشرف المستقبل وما يجب اتباعه من أجل التقليل من تداعيات هذا التغير الذي أصبح يؤرق المسؤولين عن قطاع الماء و القطاعات الحيوية المرتبطة به .
يقصد بالتغير المناخي بالتحول العميق في عناصر الطقس من ضغط جوي و حرارة ورياح ورطوبة ، وبما أن المناخ هو حالة الطقس لمنطقة معينة خلال فترة طويلة من الزمن لا تقل عن 35 سنة ، فإنه يمكن إعطاء وصف خاص لمناخ المغرب قبل التغير المناخي وكذلك الهيئة التي أصبح عليها المناخ بعد هذا التغير
ومن أجل وضع القارئ أو المتتبع للمشهد المناخي في الصورة سنميز بين فترتين زمنيتين تفصل بينها أزمة جائحة كورونا ، و هذا الاختيار لم يأتي عبثا بل جاء بناء على التغير الحراري (الاحترار) الذي عرفته الكرة الأرضية قبيل الجائحة ، بحيث شهدت هذه الأخيرة تحولا في تموضع النطاق الحار الذي امتد الى مناطق تعرف علميا بموطن الأمراض المدارية، و فيروس كرونا خير مثال على ذلك . وبالتالي فالمنطقة الشبه المدارية التي تلقت جرعة زائدة من الحرارة ساهمت في تغيير الصفات الجينية لذلك الفيروس ليتحول إلى مرض له خاصية العيش خارج النطاق الخاص به. ة بذلك أصبح فيروس جائح غزى العالم بأسره. و بالتالي تعتبر سنة 2019 م فترة مفصلية بين مرحلة ما قبل التغير المناخي و ما بعده . وسنحاول في هذا الصدد وصف الاختلاف بين فترة ما قبل و ما بعد جائحة كورونا و التي هي نفسها ما قبل التغير المناخي و ما بعده .
مرحلة ما قبل التغير المناخي :
فعلى مستوى الضغط الجوي : يعتبر الضغط الجوي الآصوري المرتفع لازمة طبيعية لا تفترق على السواحل الغربية بلادنا ، و كما يعرف أن الضغط المرتفع هو حاجز طبيعي يمنع مرور الاضطرابات الجوية القادمة من عرض المحيط الأطلنتي المحملة بالأمطار تجاه بلادنا ،فالسنوات المطيرة تعتبر استثناء طبيعيا للمناخ المغربي . لكن هذه الوضعية العطوبة رغم علتها كانت تمنح الفرصة لتعبئة كميات هائلة من مياه التساقطات في المنشآت السدية بحيث كنا نعيش على ناظمة (سنة مطيرة تليها أربع سنوات جافة)
أما على مستوى الحرارة والرطوبة : كانت معدلات الحرارة معتدلة في النصف الشمالي للمملكة بحكم تأثره بالمناخ المتوسطي الشبه جاف والمتميز بشتاء دافئ رطب، و صيف حار وجاف . بينما في النصف الجنوبي يسود المناخ الصحراوي المتميز بالجفاف و ارتفاع الحرارة طول السنة. ويمكن القول أن هذه الوضعية لم تكن تشكل خطرا على المياه المعبأة في السدود بحيث أن الحرارة لا تصل درجة التبخر إلا في شهري يوليوز وغشت.
ثم على مستوى الرياح : فالمغرب يتواجد بين خطي عرض 21 درجة و26 درجة شمال خط الاستواء، أي بين نطاقين حراريين مختلفين حار جنوبا ومعتدل شمالا، وبالتالي فإنه يتأثر بنوعين من الرياح : تجارية جنوبية شرقية وعكسية شمالية غربية وهذا ما يتجلى في الرياح الغربية شتاء التي تكون محملة بالأمطار خلال كل أربع سنوات. بالإضافة إلى الرياح الجافة الشرقية صيفا(الشرقي) خلال كل صيف. وبين كل نوع من الرياح الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية يقع خط المطر الذي كان يتمركز جنوب و شرق سلسلة جبال الأطلس و هذه المنطقة تعرف بالزوابع الرملية عندما يكون النصف الشمالي تحت تأثير الاضطرابات الجوية. و قد شهدت على هذه الظاهرة عندما كنت أشتغل في منطقة الجنوب الشرقي بين نهاية 2011 والنصف الأخير من 2013 م بإقليم (طاطا) كأستاذ متدرب بحيث كلما عرف النصف الشمالي اضطرابات جوية كنا نعيش على وقع الزوابع الرملية التي كانت تجبرنا على المكوت في البيت.
نستنتج مما سبق أن فترة ما قبل جائحة كورونا اتسم المناخ بالمغرب بالتأرجح بين الرطوبة والجفاف مستفيدا من ظاهرة التدبدب الجنوبي للمنخفضات الجوية الذي يتزامن مع ظاهرة النينيو كل أربع سنوات. هذه الفترة كانت تتميز بالوفرة في التساقطات المطرية تساهم بشكل كبير في تعبأة كمية مهمة من الموارد المائية بالسدود والبحيرات الطبيعية، لا تؤثر عليها سنوات الجفاف .
مرحلة ما بعد التغير المناخي :
فعلى مستوى الضغط الجوي : بالنسبة للضغط الجوي المرتفع (الآصوري) فلم يعرف أي تغيير من حيث تموضعه بعرض السواحل الغربية لبلادنا، وهذا الوضع يمكن تفسيره بعاملين أساسيين هما الموقع العرضي للمغرب بالنسبة للدورة الهوائية العامة، بالإضافة الى تأثير التيار البحري البارد (الكناري). الذي يعمل على تبريد الهواء ثم الرفع من كثافته فوق سطح البحر .
أما على مستوى الحرارة : فمعظم التقارير الصحفية و التي استندت على معطيات رقمية صادرة على المديرية الوطنية للأرصاد الجوية ، تتحدث عن ارتفاع معدلات حرارة الربيع والصيف ،الشيء الذي يؤثر على مصادر المياه السطحية بفعل زيادة شدة التبخر.إذن فالحرارة تزيد من نقص المياه السطحية المعبأة في السدود لأنها الأكثر عرضة لهذه الظاهرة من نظيرتها الجارية (المتحركة) أو الباطنية .
ثم على مستوى الرياح : فالرياح هي أيضا بدأت تعطينا مؤشرات عن سيادة الجفاف مستقبلا في المغرب فسابقا كانت تتمركز الزوابع الرملية خلال فصل الشتاء أثناء الاضطرابات الجوية في المناطق الجنوبية والشرقية لسلسلة جبال الأطلس ، أما الآن فلقد انتقلت إلى شمال و غرب سلسلة جبال الأطلس فهذا مؤشر سلبي عن نزوح خط المطر نحو الشمال. والدليل على هذا المعطى أن سدود منطقة سوس و الوسط (سد المسيرة الخضراء) شحت بالكامل . وفي هذا الصدد اتخذت الدولة مجموعة من الاجراءات للحيلولة دون ضياع مصادر المياه . وذلك بمجموعة من الاجراءات التي تبقى غاية في الأهمية نظرا لخطورة الموقف نذكر منها :
• سن قوانين تقيد استعمال المياه الجوفية و كذلك رخص حفر الآبار التي كانت بعيدة عن المراقبة (قانون 10.95) .
• اعتماد طرق حديثة في استعمالات الماء في المجال الفلاحي و خاصة في طرق السقي مثل التنقيط الذي يرشد استعمال هذه المادة الحيوية .
• تشييد السدود في مناطق خارج خط المطر الشتوي و التي تعرف تساقطات موسمية مهمة خلال الخريف و الربيع بالرغم أن هذه التساقطات عادة ما تكون عاصفية المهم هو الاستفادة من تلك المياه عبر تعبئتها عبر تلك المنشآت المائية .
• العمل على توطين و تشييد محطات لتحلية مياه البحر بالرغم هذه الخطوة كانت متأخرة و لكن يمكن أن تعطينا الوقت قصد البحث عن حلول أخرى جذرية أكثر ابتكارا.
• اعتماد الطرق السيارة المائية للربط بين الأحواض المائية المحظوظة (اللكوس، سبو) و نظيرتها المعوزة (أبي رقراق، أم الربيع) في أفق توسيعها لتشمل(تانسيفت،سوس)، وهذه السياسة تعتمد على مبدأ إعادة توزيع الفائض المائي على الأحواض في ما يسمى بالتضامن المائي .
و في هذا السياق يمكن القول أن هناك تحرك كبير لاستدراك ما ضاع من الوقت قصد تجاوز مشكلة الاجهاد المائي التي باتت تأرق بال المسؤولين . أما مسؤوليتنا كباحثين و كأطار تربوية مهتمة بقضايا التغير المناخي هي لفت النظر الى بعض الحلول التي تعتمد الذكاء العام ، و ذلك باستثمار المعرفة المتعلقة بعلم المناخ من أجل ابتكار حلول ترتكز على استغلال قوانين الطبيعة ضد المشكلة ، و بالرجوع الى عناصر المناخ بحيث يتبين لنا أن المعطى المسؤول عن هذه الحالة الطبيعية هو الضغط الجوي المرتفع الآصوري و الذي يمكن التأثير عليه إيجابا عن طريق خلق تيار بحري دافئ بسواحلنا الغربية عندها سنقضي على الجفاف هيكليا لأن وجوده كان و لا زال هيكليا .
و من فوائد هذا التيار البحري الدافئ أنه يهيئ الظروف للتساقط المطرية شتاء، و كذلك العمل على ابقاء المغرب تحت تأثير مناخ محيطي رطب صيفا يجنبه المنخفضات الصحراوية الجافة التي تتسبب في الحرائق .
و في الأخير لا بأس أن نشير إلى امكانية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي أيضا، لفبركة سحب اصطناعية تعمل على حجب أشعة الشمس عن بحيرات السدود خلال الفصل الحار( أثناء سيادة المنخفضات الصحراوية )لأن حوالي 80 ℅ من المياه المعبأة تتبخر في الجو بفعل الحرارة المفرطة. فهذه السحب الاصطناعية أو الدرونات الحيوية تعتمد على طائرات الدرون المزودة بألواح خشب البلوط العازلة للحرارة ستلعب دور السحب العاتمة لأشعة الشمس ، و هذه الفكرة تقوم على أساس ظاهرة التعتيم الكوني.
بقلم : الاطار التربوي سعيد حامي الدين(أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا سابقا )
التعليقات مغلقة.