جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

ديهيا..القائدة الأمازيغية العظيمة

الملكة ديهيا أو كما أطلق عليها العرب لقب “الكاهنة” (بالأمازيغية : ⴷⵉⵀⵢⴰ) (585–712 م)، هي قائدة و ملكة أمازيغية خلفت الملك أكسيل أو كما يسميه العرب “كسيلة” في حكم الأمازيغ وحكمت شمال أفريقيا مدة 35 سنة تشكل مملكتها اليوم جزءاً من المغرب الكبير. كانت مدينة ماسكولا (خنشلة حاليا) في الأوراس الجزائر حاليا هي عاصمة مملكتها.

تمثال الملكة ديهيا الذي نُصب عام 2003 م بمدينة بغاي، ولاية خنشلة الجزائرية

قادت ديهيا عدة حملات ومعارك ضد الرومان والعرب والبيزنطيين لإستعادة السيطرة على مملكتها أواخر القرن السادس ميلادي شاع إسمها عند المسلمين العرب وأصبحت إمراة شجاعة يحترمونها وصارت رمزا من رموز الذكاء والتضحية الوطنية وورد ذكرها عند الكثير من المؤرخين المسلمين، تمكنت من استعادة معظم أراضي مملكتها بما فيها مدينة خنشلة بالجزائر حاليا بعد أن هزمت الرومان هزيمة شنيعة وتمكنت من توحيد أهم القبائل الأمازيغية حولها خلال زحف جيوش المسلمين العرب واستطاعت ديهيا أن تهزم جيش القائد حسان بن النعمان عام 693 م وطاردتهم إلى أن أخرجتهم من تونس الحالية وطرابلس إلى منطقة تسمى اليوم بقصور حسان في سرت وانتهى حسّان إلى برقة فأقام بها حتى جاءه المدد من عبد الملك. وما إن سمعت بتقدم جيش حسان حتى بادرت بتحرير مدينة خنشلة من الاحتلال الروماني وطردت منها الروم ثم هدمت حصونها لكي لا يحتمي بها جيش حسان.

وكان اللقاء بوادي مسكيانة وانتهت الحرب بتراجع حسان. وبعد هذا تراجع حسان إلى برقة وسيطرت الملكة ديهيا على المغرب كله بعد حسان خمس سنين، فلما رأت إبطاء العرب عنها، قالت للأمازيغ «إن العرب إنما يطلبون من إفريقية المدائن والذهب والفضة، ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد إفريقية كلها، حتى ييأسَ منها العربُ، فلا يكون لهم رجوعٌ إليها إلى آخر الدهر.» فوجَّهت قومها إلى كّل ناحية: يقطعونَ الشجرَ، ويهدمونَ الحُصونَ، فذكروا ان إفريقية كانت ظِلاً واحدًا من أطرابلس إلى طنجة، وقُرىً متَّصلةً، ومدائن منتظمةً، حتى لم يكن في أقاليم الدنيا أكثر خيرات، ولا أوصل بركات، ولا أكثر مدائن وحصونا من إقليم إفريقية والمغرب، مسيرة الفي ميل في مثله. فخرَّبت ديهيا ذلك كله وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خَلْقٌ كثيرٌ، مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة، فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية.

بعد خمس سنوات من تراجع حسان أمام ديهيا، كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يشرح من خلالها عن أسباب تراجعه الفعلية أمام أهل الأوراس وقد قال:

«إن أمم بلاد المغرب ليس لها غاية، ولا يقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم، وهم من الجهل والكثرة كسائمة النعم.» – البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، احمد بن محمد بن عذاري المراكشي، صفحة 63


تراجعت سيطرت القائدة ديهيا على شمال أفريقيا لمدة خمس سنوات وتشكل مملكتها اليوم جزء من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا وكانت ديهيا، لما أسرت ثمانين رجلا من أصحاب حسان، احسنت اليهم، وأرسلت بهم إلى حسان، وحبست عندها خالد بن يزيد. فقالت له يوما «ما رأيت في الرجال أجمل منك، ولا اشجع، وانا أريد أن أرضعك، فتكون أخا لولديَّ -وكان لها ابنان أحدهما أمازيغي، والاخر يوناني- نحن جماعة الأمازيغ لنا رضاعٌ: إذا فعلناه، نتوارثُ به.» فعمدت إلى دقيق الشعير فَلَثَّتْهُ بزيتٍ، وجعلته على ثَدييها، ودعت ولديها، وقالت «كُلا معه على ثديي» ففعلا فقالت «قد صرتم إخوة».

بعد مرحلة تراجع حسان، توافت عليه فرسان العرب ورجالها من قبل الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان. فكتب حسان كتابا إلى خالد بن يزيد يسأله عن أحوالهم، فرد خالد بن يزيد الكتاب وكتب في ظهره «إن البربر متفرقون، لا نظام لهم ولا رأي عندهم، فاطو المراحل، وجد في السير». فرحل حسان بن النعمان بجنوده إلى جبل أوراس حيث كانت ديهيا. وقد نشبت معركة أخرى بين القائدة ديهيا وحسان بن النعمان في منطقة طبرقة بالقرب من جبال الأوراس فانهزمت فيها الملكة ديهيا.

و أنا عن وفاة ديهيا فأغلب المصادر تشير لكونها قتلت في معركة طبرقة و التي كانت بين قوات الخلافة الأموية والقبائل الأمازيغية بقيادة الملكة ديهيا. و وقعت المعركة في مدينة طبرقة في تونس عام 701 أو 702 أو 703 م و التي انتهت بانتصار الأمويين ونهاية المقاومة المنظمة للتوسع العربي الإسلامي.

أبرز ما قيل عن الملكة ديهيا:

قال فيها ابن خلدون:

«الخبر في الكاهنة وقومها جراوة من زناتة وشأنهم مع المسلمين عند الفتح: كانت هذه الأمة (جراوة) من البربر بأفريقية والمغرب في قوة وكثرة وعديد وجموع، وكانوا يعطون الإفرنجة بأمصارهم طاعة معروفة وملك الضواحي كلها لهم، وعليهم مظاهرة الإفرنجة مهما احتاجوا إليهم، ولما أطل المسلمون في عساكرهم على أفريقية للفتح ظاهروا (أعانوا) جريجير في زحفه إليهم حتى قتله المسلمون وانفضّت جموعهم وافترقت رياستهم ولم يكن بعدها بأفريقية موضع للقاء المسلمين.. وكان للكاهنة ابنان قد لحقا بحسان بن النعمان وحسن إسلامهما واستقامت طاعتهما، وعقد لهما على قومهما جراوة ومن انضوى إليهم بجبل أوراس. ثم افترق فلّهم من بعد ذلك وانقرض أمرهم. وافترق جراوة أوزاعا بين قبائل البربر» – ابن خلدون كتاب العبر الجزء السابع ص 12-13.

بينما يجمع المؤرخون العرب المسلمون الذين أرّخوا لها بمن فيهم ابن خلدون:

« على أنها كانت وثنية تعبد صنما من خشب، وتنقله على جمل، وقبل كل معركة تبخّره وترقص حوله فسماها العرب الكاهنة أي (التفازة أو الفزّانة)»

وقد قال المؤرخ ابن عبد الحكم:

«فأحسنت ديهيا أسر من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته وأقام معها» – ابن عبد الحكم، فتوح أفريقيا والأندلس ص63

قال المؤرخ ابن خلدون:

«وكان لها (الكاهنة) بنون ثلاثة ورثوا رياسة قومهم عن سلفهم وربوا في حجرها، فاستبدت عليهم وعلى قومهم بهم، وبما كان لها من الكهانة والمعرفة بغيب أحوالهم وعواقب أمورهم فانتهت إليها رياستهم.. قال هاني بن بكور الضريسي: ملكت عليهم خمسا وثلاثين سنة وعاشت مائة وسبعا وعشرين سنة. وكان قتل عقبة بن نافع في البسيط قبلة جبل أوراس باغرائها برابرة تهودا عليه، وكان المسلمون يعرفون ذلك منها. فلما انقضى جمع البربر وقتل كسيلة رجعوا إلى هذه الكاهنة بمعتصمها من جبل أوراس» – ابن خلدون كتاب العبر الجزء السابع ص 12.

وقد قال المؤرخ الثعالبي عن ديهيا:

«وبعد معركة صارمة ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد. وفي الوقت نفسه استراحت أفريقيا من عسفها وجورها بعد ان رفعتها إلى منازل الآلهة البشريين الذين عبدهم الناس.» – الثعالبي. تاريخ شمال أفريقيا طبعة 1987، ص. 

التعليقات مغلقة.